( ترجمة ) فضيلة العلامة أحمد بن يحيى النجمي - رحمه الله تعالى - !
المحرر : عبد الله بن زيد الخالدي - التاريخ : 2009-06-19 22:44:31 -أصدار موقع سحاب السلفيه
فضيلة الشيخ د. محمد بن هادي المدخلي : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله ؛ فلا مضل له ، ومن يضلل ؛ فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله عليه ، وعلى آله ، وصحبه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :
فإن للعلماء علينا من الحقوق ؛ ما بتركه يتم العقوق ، ومن رعايتها : ضبط أحوالهم الشريفة ، وتدوين مناقبهم المنيفة ، وتخليد محاسنهم في بطون الأوراق ، والمحافظة على حفظ نتائج أفكارهم التي هي من أنفس الأعلاق ، ومن ذلك : تعظيمهم باللسان ، والجنان ، والأركان ، وعدم التعرض لما يؤذيهم بالدخول في أعراضهم الجميلة ، والاستهانة بمناقبهم الجزيلة الجليلة ، والتقعد لهم بمراصد الاستخفاف ، والتنصب لهم بمنصة الخلاف .
وقد ورد في الآيات الفرقانية ، والأحاديث النبوية ، والآثار المصطفوية ، ما يقتضي النهي عن ذلك وتتخطى بمن عمل به أيمن المسالك .
وممن له علينا هذا الحق شيخنا العلامة الشيخ : أحمد بن يحيى النجمي- رحمه الله - ، فقد انتفعنا بعلمه كثيرًا ؛ فجزاه الله عنا أفضل الجزاء .
وقد كثر الطلب من الإخوة المحبين للشيخ في كتابة نبذة ولو مختصرة عنه وعن حياته الذاتية والعلمية ، وألحُّوا علي في ذلك غاية الإلحاح ، وأنا أتهرب من ذلك ، واعتذر دائمًا إليهم ، لعلمي بالعجز والقصور لدي ، ولكن كل ذلك لم يفد شيئًا ولم يعذرني منهم أحد ، فلما رأيت ذلك منهم استعنت بالله تعالى وحده في كتابة هذه النبذة المختصرة عن شيخنا - رحمه الله تعالى - .
فأقول :
• اسمه ونسبه : هو شيخنا الفاضل العلامة ، المحدث ، المسند ، الفقيه ، مفتي منطقة جازان حاليًا ، وحامل راية السنة والحديث فيها : الشيخ أحمد بن يحيى بن محمد بن شبير النجمي آل شبير من بني حُمَّد ، إحدى القبائل المشهورة بمنطقة جازان .
• ولادته : ولد الشيخ - رحمه الله - بقرية النجامية في الثاني والعشرين من شهر شوال عام ستة وأربعين وثلاثمائة وألف للهجرة النبوية ، 22/10/1346 هـ ، ونشأ في حجر أبوين صالحين ليس لهما سواه .
ولهذا فقد نذرا به لله - أي لا يكلفانه بشئ من أعمال الدنيا - وقد حقق الله ما أرادا ؛ فكانا محافظين عليه محافظة تامة ، حتى إنهما لا يتركانه يلعب بين الأولاد ، ولما بلغ سن التمييز أدخلاه كتاتيب القرية ؛ فتعلم القراءة والكتابة ، وقرأ القرآن في الكتاتيب الأهلية قبل مجئ الشيخ عبد الله القرعاوي - رحمه الله - ثلاث مرات آخرها في العام 1358 هـ الذي قدم فيه الشيخ القرعاوي .
حيث قرأ القرآن أولاً على الشيخ عبده بن محمد عقيل النجمي عام 1355 هـ ، ثم قرأ أيضًا على الشيخ : يحيى فقيه عبسي ، وهو من أهل اليمن ، وكان قد قدم على النجامية ، وبقي بها ، ودرس عليه شيخنا في عام 1358 هـ ، ولما قدم الشيخ عبد الله القرعاوي ، حصلت بينه وبين هذا المعلم مناظرة في مسألة الاستواء - وكان أشعريًا - فهزم ، وهرب على إثر ذلك ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ . [ الأنعام : 45 ] .
• نشأته العلمية : وبعدما هرب مدرسهم الأشعري تردد الشيخ مع عمَّيه الشيخ حسن بن محمد ، والشيخ حسين بن محمد النجميين على الشيخ عبد الله القرعاوي في مدينة صامطة أيامًا ، ولكنه لم يستمر ، وكان ذلك في عام 1359 هـ ، وفي عام 1360 هـ ، وفي صفر - بالتحديد - التحق شيخنا بالمدرسة السلفية ، وقرأ القرآن هذه المرة بأمر الشيخ عبد الله القرعاوي - رحمه الله - على الشيخ عثمان بن عثمان حملي - رحمه الله - حيث قرأ عليه القرآن مجودًا ، وحفظ " تحفة الأطفال " ، و " هداية المستفيد " ، و " الثلاثة الأصول " ، و " الأربعين النووية " ، والحساب ، وأتقن تعلم الخط .
وكان يجلس في الحلقة التي وضعه الشيخ فيها إلى أن يتفرق الطلبة الصغار بعد صلاة الظهر ، ثم ينظم إلى الحلقة الكبرى التي يتولى الشيخ عبد الله القرعاوي تدريسها بنفسه ؛ فيجلس معهم من بعد صلاة الظهر إلى صلاة العشاء ، ثم يعود مع عميه المذكورين سابقًا إلى قريته النجامية .
وبعد أربعة أشهر أذن له الشيخ عبد الله القرعاوي - رحمه الله - أن ينضم إلى هذه الحلقة - حلقة الكبار - التي يدرسها الشيخ بنفسه ، فقرأ على الشيخ فيها : " الرحبية " - في الفرائض - ، و " الآجرومية " - في النحو - ، و " كتاب التوحيد " ، و " بلوغ المرام " ، و " البيقونية " ، و " نخبة الفكر " ، وشرحها " نزهة النظر " ، و " مختصرات في السيرة " ، و " تصريف الغزي " ، و " العوامل في النحو مائة " ، و " والورقات " - في أصول الفقه - ، و " العقيدة الطحاوية " بشرح الشيخ عبد الله القرعاوي ، قبل أن يروا شرح ابن أبي العز عليها .
ودرس أيضًا شيئًا من " الألفية " لابن مالك ، و " الدرر البهية " مع شرحها " الدراري المضية " - في الفقه - ، وكلاهما للشوكاني - رحمه الله - ، وغير ذلك من الكتب سواء منها ما درسوه كمادة مقررة كالكتب السابقة ، أو ما درسوه على سبيل التثقف لبعض الرسائل والكتب الصغيرة ، أو كانوا يرجعون إليه عند البحث كـ " نيل الأوطار " ، و " زاد المعاد " ، و " نور اليقين " ، و " الموطأ " ، و " الأمهات " .
وفي عام 1362 هـ وزع عليهم الشيخ عبد الله - رحمه الله - أجزاء الأمهات الموجودة في مكتبته ، وهي : " الصحيحين " ، و " سنن أبي داوود " ، و " سنن النسائي " ، و " موطأ الإمام مالك " ، فقرؤا عليه فيها ولم يكملوها ؛ لأنهم تفرقوا بسبب القحط .
وفي عام 1364 هـ عادوا ؛ فقرؤا عليه ثم أجازه الشيخ عبد الله - رحمه الله تعالى - برواية الأمهات الست .
وفي عام 1369 هـ درس على الشيخ إبراهيم بن محمد العمودي - رحمه الله - قاضي صامطة في ذلك الوقت كتاب " إصلاح المجتمع " ، وكتاب الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - في الفقه - المرتب على صيغة السؤال والجواب - ، واسمه : " الإرشاد إلى معرفة الأحكام " .
كما درس على الشيخ على بن الشيخ عثمان زياد الصومالي بأمر من الشيخ عبد الله القرعاوي - رحمه الله - في النحو كتاب " العوامل في النحو مائة " ، وكتب أخرى في النحو والصرف .
وفي عام 1384 هـ حضر في حلقة الشيخ الإمام العلامة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - لمدة تقارب شهران في التفسير في " تفسير ابن جرير الطبري " بقراءة عبد العزيز الشلهوب كما حضر في العام نفسه في حلقة شيخنا الإمام العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - لمدة شهر ونصف تقريبًا في " صحيح البخاري " بين المغرب والعشاء .
• شيوخه : مما مضى يتبين لنا شيوخه - رحمه الله - وهذا ترتيبهم :
(1) الشيخ إبراهيم بن محمد العمودي - قاضي صامطة في حينه - .
(2) الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي - رحمه الله - .
(3) الشيخ العلامة الداعية المجدد - في جنوب المملكة - عبد الله القرعاوي - رحمه الله تعالى - ، وبه تخرج الشيخ أحمد ، فهو أكثر شيوخه إفادة له .
(4) الشيخ عبده بن محمد عقيل النجمي .
(5) الشيخ عثمان بن عثمان حملي .
(6) الشيخ علي بن الشيخ عثمان زياد الصومالي .
(7) الشيخ الإمام العلامة - مفتي البلاد السعودية السابق - محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - .
(
الشيخ يحيى فقيه عبسي اليمني .
• تلاميذه : ولشيخنا - رحمه الله تعالى - كثير وكثير من التلاميذ ، فمن أمضى مثل هذه المدة في التدريس التي تقارب النصف قرن ، كم يتصور أن يكون تلاميذه ، ولو ذهبت أعددهم لاحتجت إلى مجلد ضخم ؛ وإنما أذكر نموذجًا يستدل به على الباقين ؛ فمنهم :
(1) شيخنا العلامة المحدث - ناصر السنة - الشيخ ربيع بن هادي .
(2) شيخنا العلامة الفقيه زيد بن محمد هادي المدخلي .
(3) شيخنا العالم الفاضل علي بن ناصر الفقيهي .
وإنما اكتفيت بذكر هؤلاء الثلاثة لشهرتهم في الأوساط العلمية ، فلا يعتب علينا أحد .
• ذكاؤه : يتمتع الشيخ بدرجة من الذكاء عالية جدًا ، وهاك قصة تدل على ذكائه وحافظته منذ صغره - حفظه الله - يقول العم الشيخ عمر بن أحمد جردي المدخلي - وفقه الله - : ( لما كان الشيخ أحمد يحضر مع عميه حسنًا وحسينًا النجميين إلى المدرسة السلفية بصامطة - أي في عام 1359 هـ - ، وعمره آنذاك 13 سنة كان يسمع الدروس التي يلقيها الشيخ عبد الله القرعاوي على تلاميذه الكبار ، وكان يحفظها حفظًا ) .
قلت : وهذا هو ما جعل الشيخ عبد الله القرعاوي يلحقه بحلقة الكبار الذين كان الشيخ يتولى تدريسهم بنفسه ؛ لأنه رأى نجابته وسرعة حفظه وذكائه .
• أعماله : عمل شيخنا - رحمه الله - مدرسًا بمدارس شيخه القرعاوي - رحمه الله - احتسابًا ، وعندما بدأت الوظائف عين مدرسًا بقريته النجامية ، وكان ذلك في عام 1367 هـ ، وفي عام 1372 هـ نقل إمامًا ومدرسًا في قرية أبو سبيلة في بالحُرَّث ، وفي عام 1374 هـ - وفي 1/1/1374 هـ بالتحديد - عندما فتح المعهد العلمي في صامطة عين مدرسًا به حتى عام 1384 هـ حيث استقال من التدريس بالمعهد على أمل أن يدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية وسافر إليها ؛ لكن حصلت له ظروف حالت دون ذلك ، فعاد إلى المنطقة ، وكتب الله له التعيين واعظًا مرشدًا بوزارة العدل بمنطقة جازان ، فقام بالوعظ والإرشاد أحسن قيام .
وفي عام 1387 هـ - وبالتحديد في 1/7 منه - عاد مدرسًا بالمعهد العلمي بمدينة جازان حسب طلبه ، وفي ابتداء الدراسة عام 1389 هـ عاد إلى التدريس بمعهد صامطة ، وبقي به مدرسًا حتى أحيل على التقاعد في 1/7/1410 هـ .
ومنذ ذلك الحين إلى كتابة هذه الأسطر ، وهو مشتغل بالتدريس في بيته ، والمسجد المجاور له ، ومساجد أخرى في المنطقة في دروس أسبوعية مع القيام بأمر الفتوى .
وهو في هذا كله قد عمل بوصية شيخه له في مداومته على التعليم والمحافظة على المتعلمين ، وخاصة الغرباء والمنقطعين منهم ، وله - رحمه الله - على ذلك صبر عجيب ، فجزاه الله عنا خيرًا .
وقد عمل أيضًا بوصية شيخه القرعاوي - رحمه الله - ، فواصل الدراسة والبحث والاستفادة ، وخاصة في علمي الحديث والفقه وأصولهما حتى فاق أقرانه ، وأصبح له في ذلك اليد الطولى - بارك الله في عمره وعلمه ونفع بجهوده - .
• آثاره العلمية : لشيخنا - رحمه الله - آثار علمية كثيرة بعضها طبع ، وبعضها لم يطبع ، نسأل الله تعالى أن ييسر طبعه حتى يحصل الانتفاع به ومن ذلك :
(1) أوضح الإشارة في الرد على من أباح الممنوع من الزيارة .
(2) تأسيس الأحكام شرح عمدة الأحكام - طبع منه جزء صغير جدًا - .
(3) تنزيه الشريعة عن إباحة الأغاني الخليعة .
(4) رسالة الإرشاد إلى بيان الحق في حكم الجهاد .
(5) رسالة في حكم الجهر بالبسملة .
(6) فتح الرب الودود في الفتاوى والردود .
(7) المورد العذب الزلال ؛ فيما انتقد على بعض المناهج الدعوية من العقائد والأعمال .
وغير ذلك من المؤلفات النافعة التي قدمها للمسلمين - جزاه الله خير الجزاء ونفع به الإسلام والمسلمين - .
وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله ، وصحبه أجمعين
تحياتى ليكم